مجزرة الدوايمة
29/10/1948
يقول الله تعالى : (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً و لقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) (1) .
إن المجازر البشعة التي حصلت في فلسطين قبيل إقامة الدولة العبرية ، على أيدي أقطاب الإرهاب الصهيوني تلاميذ الهاجانا (2) أمثال ( بن غوريون ، و موشيه ديان ، و مناحيم بيغن ، و إسحاق شامير) ذات جذور عميقة ، مستمدة من أسفار مزورة ، تحث على قتل أهل المدن ، رجالا و نساء و أطفالا ، و حتى الحيوانات ، حيث يتوجب عليهم قتل كل نفسٍ بحد السيف لاحتلال مدنهم . و بعد استيلائهم على المدن يضرمون النار فيها ، كي لا يبقى فيها أي كائن حي ، إلا من هرب و لجأ إلى المدن الحصينة (3) .
عندما نتصفح تفاصيل المجازر التي مورست على الشعب الفلسطيني الأعزل ، نجد أنهم يطبقون تعاليم هذه الأسفار المزورة بحذافيرها ... نعم ، لقد تم التخطيط لجرائم منظمة عام 1948م استهدفت أكثر من (418) قرية ، دمرت بالكامل و تم تشريد أهلها ، و ارتكبوا أبشع المجازر في نحو (35) قرية .
و من هذه القرى التي ارتكبت فيها المجازر (قرية الدوايمة) قضاء الخليل ، التي هاجمتها (كتيبة الكوماندوس 89) التابعة للواء الثامن الصهيوني ، بقيادة موشيه ديان (4) و التي تألفت من جنود خدموا في عصابتي (شتيرن ، و الآرغون) (5) التي حاولت دولة العصابات جاهدة طمس معالمها و تفاصيلها حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية (6) و التعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة و منع التحقيق فيها .
تفاصيل المجزرة :
في يوم (29/10/1948م) و الناس غافلون بعد أداء صلاة الجمعة منهمكون في أسواقهم (7) و أشغالهم و حقولهم ، و إذ بالجنود الصهاينة يقتحمون القرية و يحاصرونها و يقتلوا المئات من الشيوخ و الشباب ، و يحطموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم ثم يقتلوا الأمهات . و اعتدوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبئوا بصياحهم و استنجادهم .
و تبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً : (لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار) (
... و آخر أجبر إحدى النساء على نقل الجثث ثم قتلها هي و طفلها ، و آخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية و وجدن مقتولات في أحد أطراف القرية .
كما أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فاخترقت الرصاصة رأسه و صدر أمه فقتلتهما و الطفل يلثم الثدي ، و بقايا الحليب تسيل على جانبي فمه !! (9) .
يقول أحد قادة حزب المابام الصهيوني (إسرائيل جاليلي) (10) إنه شاهد : (مناظر مروعة من قتل الأسرى ، و اغتصاب النساء ، و غير ذلك من أفعال مشينة) .
أفظع من النازية :
لقد فزع أهل القرية العزل و لجئوا إلى الكهوف و المغارات خوفاً من بطش اليهود ، و لكنهم لاحقوهم و قتلوهم داخل أحد الكهوف (11) ، و لم ينج منهم إلا امرأة واحدة بين القتلى ….
و بعد ذلك قيدوا الرجال الذين تم الإمساك بهم بالحبال و السلاسل ، و قادوهم كما تقاد الأغنام و وضعوهم في أحد المنازل و منعوا عنهم الماء ، و فجروا المنزل بالديناميت على رؤوسهم .
و كان الملاذ الأخير لأهل القرية (الجامع) (12) اعتقاداً منهم أن الجنود سيحترمون المسجد ، فدخلوا المسجد و هم يكبرون ، و يقرؤون القرآن الكريم ، يجهلون مصيرهم ، لا يعلمون أن يد الغدر سوف لن تمهلهم إلا لحظات قليلة ، و بالفعل تم قتلهم جميعاً و كان عددهم (75) شخصاً معظمهم من كبار السن و العجزة ، و أُحرق المسجد بمن فيه بعد إغلاقه بإحكام خوفاً من خروج الجرحى ، إذا كان هناك جرحى !! .
مراقبوا الأمم المتحدة :
بعد عدة أيام من وقوع المجزرة ، وصل فريق من مراقبي الأمم المتحدة إلى القرية برئاسة ضابط الصف البلجيكي "فان فاسن هوفي" بصحبة عسكريين صهاينة ، و عندما طلب أحد المراقبين الدخول إلى المسجد المغلق تم منعه بحجة أن للمسجد قدسية عند المسلمين و لا يجوز دخوله لغير المسلم !! ، و لكن المراقب شاهد دخانا يتصاعد من المسجد فاقترب من النافذة و شم رائحة جثث بشرية تحترق ، و عندما سئل الضابط اليهودي المرافق عن الدخان و الرائحة الكريهة ، تم منعه من إكمال التحقيق ، و عندما سأله عن منزل كان يعدّ للنسف عن سبب ذلك .. قال له : المنزل يضمّ حشرات طفيلية سامة ، و لذا سنقوم بنسفه" !! .
و قد بعث المراقبون الدوليون تقريراً سرياً إلى رؤسائهم ذكروا فيه : (ليس لدينا شك بأن هناك مجزرة ، و أن الرائحة المنبثقة من المسجد كانت رائحة جثث بشرية) (13) .
الضمير الصهيوني !! :
يقول المؤرخ الصهيوني "بني موريس" (14) : "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة (الإسرائيلية) ، و أن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة (حزب المابام) (15) عن فظائع ارتكبت في قرية الدوايمة ، و أن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة" .
و يقول "أهارون كوهين" : (تم ذبح سكان قرى بأكملها ، و قطعت أصابع و آذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها) !! .
و يقول الحاخام الصهيوني "يوئيل بن نون" : (إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا) .
إن صحوة ضمير (موريس) و أمثاله من المؤرخين و القادة الصهاينة ، لم تكشف إلا عن جزء لا يذكر من تفاصيل هذه المجازر التي ارتكبتها عصابات الدولة العبرية ، على أيدي قوادها الذين كوفئوا فيما بعد بمناصب و جوائز بعد ارتكابهم المجازر !! .
عدد شهداء مذبحة الدوايمة :
إن عدد شهداء مذبحة الدوايمة كما أجمع العرب و الأمم المتحدة و جيش الاحتلال الصهيوني بين 700 إلى 1000 مواطن عربي ، عدا الذين كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم و طعامهم بعد أيام من حصول المجزرة ، و على أي حال فإن الحصيلة النهائية كالتالي :
أول يومين من المجزرة ، (منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في المسجد)
580 شهيداً
كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ متاعهم و طعامهم
110 شهداء
كان عدد الجرحى قليل لأن الصهاينة حاولوا جاهدين أن لا يتركوا أحياء
8 جرحى
قتل (3) منهم في السجون الصهيونية
9 أسرى
معلومات عن قرية الدوايمة :
"الدوايمة" قرية كنعانية عربية تبعد عن الخليل نحو 24 كم ، تبلغ مساحة أراضيها (60585) دونما (16) . أسماها الكنعانيون (بُصقة) أي المرتفع ، و ذكرت بهذا الاسم في العهد القديم (17) .
و نزل بها الفرنجة في العصور الوسطى ، و أسموها (بيتا واحيم) .
و في القرن الرابع عشر سكنها رجل صالح اسمه "علي بن عبد الدايم بن أحمد الغماري بن عبد السلام بن مشيش" الذي يرجع نسبه بإجماع العلماء إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (18) ، و كان أبوه من الثوار على ظلم الدولة العثمانية مما أدى إلى قتله و قطع رأسه ، فسميت الدوايمة باسمه تخليداً لذكراه .
أقيم على أنقاضها عام 1955 مستعمرة (أماتزياه) و دعيت باسمها هذا نسبة إلى (أمصيا) أحد ملوك المملكة اليهودية الذي امتد حكمه من ( 800 - 783 ق . م .) ، و من جرائمه قتله عشرة آلاف (آدومي) و سبي عشرة آلاف آخرين جنوب البحر الميت ، و أتى بالأسرى إلى البتراء و أمر بطرحهم من فوقها فماتوا جميعاً (19) .
فيها قبر الصحابي الجليل "بشر بن عقربة" (20) . و فيها أيضاً قبور طوت رجالاً و نساء و أطفالا روت دماؤهم الزكية أرض خليل الرحمن الطاهرة تناشد أصحاب الضمائر الحية بتخليصها من هذا المغتصب و استعادة أبنائها .
المركز الاعلامي الفلسطيني
(بقلم / جمال إسماعيل أبو ريان)